عاد ملف «الحرقة» ليطفو من جديد على ساحة الأحداث بجرجيس، بعد ان انقطع 30 تلميذا عن الدراسة خلال عطلة الشتاء الماضية، ليلتحق بعضهم بقوارب الموت، «الشروق» فتحت التحقيق التالي.
آباء يدفعون لأبنائهم المال للالتحاق بقوارب الموت أملا في مستقبل وراء البحار
مدنين (الشروق)
لم تعد ظاهرة «الحرقة» تقتصر على الشباب في جرجيس، بل اصبحت تشمل التلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة، وتوجهوا خلسة الى سواحل لامبيدوزا،على غرار عشرات من الشباب والعائلات الذين غادروا في وقت سابق سواحل جرجيس، باتجاه ايطاليا.
رغم احتفاظ العائلات بجرجيس ممن فقدت أبناءها في البحر بذكريات سيئة، تجاه ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وحجم المآسي التي خلفتها، بداية من سنة 2011 الى غاية سنة 2018 نمت هذه الظاهرة من جديد، في الأشهر القليلة الماضية، وانخرطت فيها العائلات سواء عبر تبنّي هذا المشروع وتشجيع الأبناء عليه وتمويله، أو اختيار المخاطرة والهجرة الجماعية لعائلات بأكملها.
وقد تعددت اسباب الهجرة السرية، أو ما اصطلح عليه ظاهرة «الحرقة»، إذ لا تقتصر، على البطالة والهشاشة الاجتماعية، بل هي أساسا متأتية من الفوارق في مستويات العيش وضيق آفاق الهجرة العادية بالصيغ القانونية. «الشروق» تحدثت الى عدد من شباب واهالي جرجيس للوقوف على هذه الظاهرة التي زادت مخاطرها بعد ان تم استقطاب تلاميذ، بدورهم خططوا وعزموا على «الحرقة» خارج البلاد خلسة.
وفي هذا الاطار ذكر الشاب محمد البالغ من العمر 16 عاما، في حديثه لـ"الشروق"، ان الدافع الحقيقي لمحاولته عدة مرات المشاركة في الحرقة هو سوء حظه، اذ لم تمكنه المصالح القنصلية الفرنسية من تأشيرة الى فرنسا، وهو يرغب في العيش كأصدقائه الذين عبروا الى لامبيدوزا وتمكنوا من تحقيق طموحهم .
تلاميذ... يهاجرون خلسة
وما يثير القلق والخوف، هو ان حوالي 30 تلميذا، انقطع عن الدراسة، خلال عطلة الشتاء، وبعضهم التحق، بقوارب الموت ووصل بعضهم الى السواحل الايطالية، مع عائلاتهم، وفي هذا الاطار افاد محرز ترسيم مدير اعدادية السويحل بجرجيس، ان المدرسة التي يشرف عليها لا تفصلها عن سواحل السويحل الا بضعة امتار، وهي نقطة انطلاق الحراقة، مبينا أن الظاهرة، شهدت خلال السنوات السبع الماضية تحولا في تركيبتها وهيكليتها، إذ بعد أن كانت تشمل الشباب العاطل عن العمل، تسللت بشكل مفزع إلى طلبة الجامعات وتلاميذ المعاهد الثانوية والمدارس الابتدائية، وأيضا إلى النساء والعمال وحتى إلى شباب العائلات الميسورة.
وبين محدثنا ان ما لا يقل عن 30 تلميذا، انقطعوا عن الدراسة، و في عطلة الشتاء فيهم، من ركب قوارب الموت ووصل الى السواحل الايطالية، و فيهم من هاجر بطريقة قانونية مع اسرته. وحذر من دوافع الظاهرة التي كانت تقتصر على البطالة والبحث عن الشغل وتحسين الأوضاع الاجتماعية الى دوافع اجتماعية وسياسية ونفسية، خاصة بعد ان عجز الشباب عن تحقيق تطلعاته في عيش لائق مقابل انسداد الآفاق في تونس.
شواطئ مصنفة
تبعد شواطئ جرجيس عن جزيرة لامبدوزا الإيطالية بضعة اميال، يقطعها المهاجرون خلسة في قوارب خشبية أو حتى مطاطية صغيرة لتحقيق احلامهم في الضفة الاخرى، ويدفعون اموالا يتم تحديدها حسب المكان التي ستنطلق منه القوارب، و تبلغ تكلفة " الحرقة " حسب تصريحات شباب فشلوا في تجاوز الحدود خلسة، في حديثهم، لـ"الشروق"، ان التكلفة تبلغ 3 الاف دينار من سواحل حسي الجربي ومن نقطة العقلة تكون التكلفة في حدود الفين و خمس مائة دينار، اما من باقي الشواطئ فلا تتجاوز الفين و خمسمائة دينار.
و يجد الاطفال الذين هاجروا خلسة اذا ما وصلوا الى ايطاليا، كامل العناية، و يتم تمكينهم، من وثائق اقامة، لذلك تجد العائلات هنا تشجع ابناءها من الفئة التلمذية، على الحرقة، فضلا عن وجود تجار بين لامبيدوزا و فرنسا، يؤمنون العبور الجماعي للعائلات بتكلفة تصل الى 1200 يورو للشخص وفق ما صرح به الشاب «محمد» الذي اضاف ان ما يزيد على 100 شاب غادروا سواحل جرجيس في الفترة الاخيرة، منهم زوجان حديثا العهد بالزواج، غادرا على متن مركب بحري الى ايطاليا ثم تم تامين عبورهما الى فرنسا.
أموال... لتأمين الحرقة
من اجل ضمان الوصول الى السواحل الايطالية، يتدبر شباب جرجيس ومدنين، تكلفة الحرقة من عائلاتهم، و في حال تعذرعلى بعضهم ذلك فانهم يلجؤون الى اساليب اخرى، من ذلك سرقة محلات السكنى و المحلات التجارية، اذ تم تسجيل عملية سرقة في الاشهر الماضية بالجهة، حيث تمت سرقة العشرات من المحلات في المنطقة الممتدة بين حسي الجربي و السويحل ووسط المدينة فضلا عن سرقة محركات مراكب البحارة، رغم ما يبذل من مجهودات من الحرس البحري و خفر السواحل الا ان كل من فشل في المرة الاولى يعيد الثانية.
اما العائلات بمدن الجنوب الشرقي على اختلاف مستوياتها الاجتماعية، فانها في حيرة من امرها ان كان من ضمن ابنائها طفل ما بين 12 و 17 و اقتنع بمسألة الهجرة غير القانونية، وقد ساعدت بعض العائلات ابناءها على الحرقة، بعد توفير الاموال، من ذلك امهات بعن مصوغهن، لتأمين اموال الحرقة، ومنهن من بعن خرفان لجمع المال لفائدة ابنائهم حتى يتمكنوا من مغادرة الحدود خلسة.
لامبيدوزا
لامبيدوزا هي أكبر جزيرة من الجزر الإيطالية، في البحر الأبيض المتوسط. وتقع الجزيرة في الجزء الجنوبي من إيطاليا ، والتي تمتد إلى حوالي 113 كيلومترا (70 ميلا).
تبلغ مساحة لامبيدوزا حوالي 20.2 كيلومتر مربع (7.8 ميل مربع) ، ويبلغ عدد السكان ما يقرب الـ 4،500 شخص .
ويدفع التونسي ما بين 3 آلاف دينار و 7 آلاف دينار حتى يحظى بفرصة السفر على أحد قوارب الموت ليصل الى الجزيرة المذكورة.
أرقام ودلالات
30
تلميذا انقطعوا عن الدراسة خلال عطلة الشتاء وبعضهم تسللوا خلسة الى السواحل الايطالية.
100
شاب غادروا سواحل جرجيس باتجاه ايطاليا
من 3
آلاف دينار الى ألف دينار هي تكلفة الحرقة بجرجيس
ليست هناك تعليقات